اتفاقية السيب
تعتبر اتفاقية السيب من أهم الأحداث في تاريخ عمان ككل ومن أخطر الاتفاقيات في التاريخ العماني عامة، لأنه بموجب هذه الاتفاقية تم تقسيم عمان إلى كيانين مستقلين، وهما دولة الإمامة في الداخل، وسلطنة مسقط في الساحل، وظل هذا الانقسام موجودا على أرض الواقع حتى عام 1970 عندما أعاد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، توحيد البلاد وتغيير اسمها ليصبح سلطنة عمان بعد أن كان سلطنة مسقط وعمان. وقد وقعت هذه الاتفاقية في 25 سبتمبر عام 1920 بين السلطان تيمور بن فيصل وبين الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، وبرعاية بريطانية تمثلت في وينجيت باليوز القنصل البريطاني في مسقط
تعود ظروف هذه الاتفاقية إلى عهد السلطان فيصل بن تركي الذي حكم عمان خلال الفترة 1888 – 1913، والذي لم تكن علاقته جيدة بزعماء القبائل وبأنصار الإمامة، وذلك للعديد من الأسباب يأتي في مقدمتها زيادة الرسوم الجمركية على البضائع المارة من وإلى البلاد من 5 % إلى 20 % في الوقت الذي كانت عمان تشهد ظروف اقتصادية صعبة.
كما كان لتدهور الأوضاع الاقتصادية الأثر الأكبر في اثارة مشاعر الكثيرين ضد السلطان خاصة بعد تدهور حركة الملاحة البحرية والقضاء على تجارة الأسلحة، مما أفقد البلاد واحد من أهم مواردها المالية والسماح بدخول المشروبات الكحولية والتبغ إلى البلاد واستمرار نشاط المبشرين الذي كان يتزايد في تلك الفترة وبرعاية أمريكية. وساهم التدخل البريطاني في الشؤون الداخلية لعمان في حنق وغضب القبائل العمانية، وكذلك عدم قبول رجال الدين مبدأ وراثة السلطة والحكم الذي كان سائدا عند سلاطين مسقط.
وقد حاول الشيخ العلامة نور الدين السالمي في أكثر من مرة تقديم النصح والمشورة للسلطان فيصل وتبيهه إلى خطر ذلك وضرورة توحيد العمانيين ولكن السلطان أصر على رأيه ولم تنجح الجهود التي بذلت من أجل احتواء الموقف. مما أدى إلى اندلاع الثورة المشهورة ضد السلطان فيصل بن تركي عام 1913، والتي على أثرها تم انتخاب الإمام سالم بن راشد الخروصي في مسجد الشرع بتنوف في من نفس العام، وانضم إليه كبار زعماء القبائل في تلك الفترة خاصة كل من الشيخ عيسى بن صالح الحارثي والشيخ حمير بن ناصر النبهاني، وسقطت العديد من المدن في داخلية عمان في أيدي اتباع الإمامة.
وبعد النجاحات التي حققتها قوات الإمام سالم بن راشد الخروصي، أخذ أتباع الإمامة في حشد قواهم العسكرية بهدف مهاجمة مسقط ، وفي ظل هذه الظروف توفي السلطان فيصل بن تركي رحمه الله تحديدا في 14 أكتوبر عام 1913م، وخلفه في الحكم ابنه السيد تيمور الذي كان في السابعة والعشرين من عمره.
وحاول السلطان تيمور في البداية أن يصل إلى تسوية مع الإمام سالم بن راشد، كما وجدت بوادر وساطات قام بها الشيخ حمدان بن زايد حاكم أبو ظبي بهدف احتواء الموقف وتقريب وجهات النظر، نظرا للعلاقات القوية بين بني ياس وحكام مسقط، ولكن هذه المحاولات لم تنجح بسبب اصرار كل فريق على رأيه وتمسكه بموقفه.
وفي عام 1915 شنت قوات الإمامة هجوما على القوات البريطانية التي كانت ترابط في الوطية تحديدا، وأخذت في التقدم نحو مسقط، واستمرت الحرب بين الطرفين حتى اليوم التالي الذي كشف عن سقوط العديد من قوات الإمامة ونجاح قوات السطان تيمور والقوات البريطانية في صدها وارغامها على التراجع وبالتالي عدم نجاحها في تحقيق ماكنت ترمي إليه.
وبعد فشل قوات الإمامة في السيطرة على مسقط بدأت المفاوضات الصعبة بين السلطان تيمور وبين الإمام سالم بن راشد الخروصي برعاية بريطانية، وذلك في مدينة السيب ، وقد استمرت سنوات عدة، وفي تلك الأثناء تم اغتيال الإمام سالم بن راشد الخروصي رحمه الله في 21 يوليو 1920م، والذي أدى إلى حدوث تطورات كبيرة في علاقة الإمامة بالسلطنة، وتم انتخاب ومبايعة محمد بن عبدالله الخليلي إماما جديدا.
وكان الإمام محمد الخليلي يرى ضرورة انهاء هذا الصراع بالطرق السلمية وعن طريق المفاوضات، وهذا ماحدث عندما استأنف الطرفان المحادثات التي أدت في النهاية إلى توقيع اتفاقية السيب، وقد مثل حكومة مسقط السيد محمد بن أحمد الغشام البوسعيدي بينما مثل حكومة الإمام محمد بن عبدالله الشيخ عيسى بن صالح الحارثي، وكان القنصل البريطاني في مسقط وينجت بمثابة الوسيط.
وقد نصت الاتفاقية كالتالي:
بسم الله الرحمن الرحيم
” لقد عقد الصلح التالي بين الموقعين أدناه، وهم حكومة السلطان تيمور بن فيصل، والشيخ عيسى بن صالح بن علي الحارثي عاملاً باسم الشعب العُماني، بوساطة السيد وينجيت، الوكيل السياسي وقنصل بريطانيا العظمى في مسقط، المخول من قبل حكومته التدخل بينهما كوسيط. من الشروط المدرجة أدناه، أربعة تتعلق بحكومة السلطان، وأربعة بالشعب العُماني”.
- أما الشروط المتعلقة بالشعب العُماني فهي :
1. يستقطع مبلغ 5% على الأكثر من البضائع المصدرة من عُمان والموردة إلى مسقط ومطرح وصور أو إحدى مدن الساحل مهما كان نوعها.
2. يتمتع جميع العُمانيين بالأمن والحرية في جميع مدن الساحل.
3. ترفع جميع القيود المفروضة على الدخول إلى مسقط ومطرح أو إلى أي من مدن الساحل، أو على حرية الخروج منها.
4. لن تعطي حكومة السلطان حقّ اللجوء إلى أي مجرم يحاول الفرار من العدالة العُمانية. وستسلّم إلى العُمانيين كل مجرم يُطلَب منها تسليمه. ولن تتدخل في شؤونهم الداخلية.
- أما الشروط الأربعة العائدة لحكومة السلطان ، فهي :
1. يتعايش جميع المشايخ وجميع القبائل في سلام مع حكومة السلطان ويتعهدون بألّا يهاجموا مدن الساحل وبألّا يتدخلوا في شؤون حكومة السلطان.
2. يتمتع بالحرية جميع أولئك الذين يدخلون عُمان لغايات مشروعة أو لإجراء عمليات تجارية. ولا يخضعون لأي حصر في النشاطات التجارية ويتمتعون بالأمان.
3. تطرد عُمان كل مجرم أو شرير يحاول اللجوء لديها ولا تمنحه حقّ اللجوء .
4. تدرس الطلبات التي يقدمها التجار وغيرهم ضد بعض العُمانيين ويفصل فيها على أساس العدل ووفق شريعة الإسلام.
كُتب ووُقّع في مدينة السيب في 11 محرم لعام 1339 للهجرة الموافق 25 سبتمبر 1920.
وكان من أبرز الملاحظات حول هذه الاتفاقية على الصعيد الداخلي عدم وضوح العلاقة والتبعية بين الطرفين ومايتعلق بالسيادة الخاصة بكل طرف، أما على الصعيد الخارجي فلم تتضمن الاتفاقية مايشير إلى أسس التواصل الخارجي لكل طرف وآلية إقامة وتكوين العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وقد ظلت هذه الاتفاقية قائمة حتى عام 1954م عندما قام السلطان سعيد بن تيمور بإلغائها من جانب واحد، خاصة بعد قيامه عام 1937 بمنح امتيازا لشركة بترول العراق بالتنقيب عن النفط في عمان شملت مناطق نفوذ الإمامة، مما اعتبر حينها خرقا لقواعد الاتفاقية، وهو ماترتب عليه الكثير من الأحداث المؤثرة في تاريخ عمان في القرن الماض
المصدر:http://alwatan.com/details/135164
تعليقات